52 – الاستراتيجية

 

76 – الاستراتيجية :

 

أول ما يجب على الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي هو ان يبرر وجوده . ذلك لأن القوميين التقدميين لا يلتقون في حزب قومي ديموقراطي اشتراكي ليفرحوا به . انه غير مطلوب لذاته فهو ليس غاية . بل هو أداة لتحقيق غاية . انه لازم ليوفر للقوميين التقدميين المقدرة على انتهاج الاسلوب العلمي في تحقيق دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية . ويكون ذلك بالتخطيط الشامل . إنه اذن ليس التنظيم الذي يهرب اليه المناضلون من مواجهة المشكلات الاجتماعية في مواقعهم ليتجمعوا فيه يتبادلون الحديث عن الحرية والوحدة والاشتراكية ، ولعنة أعداء الأمة العربية ، بل هو التنظيم الذي يلزمهم في مواقعهم أن يواجهوا أن يواجهوا المشكلات الاجتماعية طبقاً لخطة واحدة . طبقاً لاستراتيجية واحدة . وعندما يعجز الحزب عن وضع هذه الاستراتيجية يكون قد حكم على نفسه – مقدماً – بالفشل وبالتالي فقد مبرر وجوده . ولن تحول أية قوة في الأرض دون ان يفشل وان يتمزق . إذ ” الاستراتيجية ” هي القاعدة الرابعة من نظرية الاسلوب . وقد عرفنا أساسها الفكري عندما عرفنا في بداية الحديث انه ” مهما يكن مضمون التغيير الذي نريد ان نحدثه في الواقع فهو إضافة ليست قابلة للتحقق تلقائياً بدون عمل انسان … فهي قطع للاستمرار التلقائي للواقع … ومن هنا نكتشف انه مهما يكن ما نريد أن نحققه فإنه لا يتحقق إلا في المستقبل … بهذا الاكتشاف لعنصر الزمان في الحركة نلتقي باول واخطر شروط التغيير … ” فقرة (2) . والاستراتيجية ليست مجرد خطة لاستخدام القوى من اجل غايتنا ، بل هي قبل كل شيء ، اسلوب ادخال عنصر الزمان في نضالنا واستخدامه لتحقيق غايتنا . ومن هنا فإن وضع الاستراتيجية يتطلب أمرين معاً : النظرية التي تحدد الغاية ، والمعرفة بالواقع الاجتماعي الذي تصلنا فيه بغايتنا . والاعتماد على أي منهما لوضع خطة استراتيجية لمن يؤدي إلا إلى الفشل . المثقفون الذين يجيدون معرفة النظريات يستطيعون أن ” يؤلفوا ” استراتيجية على أساس تصورهم للواقع . اما الذين يعيشون الواقع بدون نظرية فهم عاجزون عن حتى مجرد التصور الاستراتيجي . وكلاهما يستويان فشلاً . الافكار المجردة تظل بعيدة عن الواقع ولو كانت محكمة الصياغة والممارسة تظل خاضعة للصدفة آناً تصيب وآناً تخيب ، ان هذا يحدد لنا اسلوب اكتشاف الحل الصحيح لمشكلة الاستراتيجية في الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي . انه اسلوب اكتشاف الحلول الصحيحة ( الجدل الاجتماعي ) . في داخل الحزب يعرفون جميعاً الغاية لأنهم يلتزمون جميعاً نظرية واحدة . ولكن كل واحد منهم لا يعرف ولا يمكن أن يعرف كل الواقع . لهذا فلا طريقة لوضع استراتيجية صحيحة إلا بتبادل المعرفة بالواقع ومشكلاته وتبادل الرأي في أفضل استراتيجية لمواجهته والاحتكام عند الاختلاف في تقييم الواقع للنظرية ثم قبول الاقلية الالتزام برأي الأغلبية . انها الديموقراطية داخل الحزب او الصيغة التنظيمية للجدل الاجتماعي داخله . انه بهذا يلتزم القوانين الموضوعية التي تحكم حركة المجتمعات من حيث هو مجتمع صغير . بها يطوّر نفسه باكتشاف الحلول الصحيحة للمشكلات التي تواجهه واولها واخطرها مشكلة استراتيجية الحزب . وهذا يفرض مرة أخرى أن يكون الحزب ديموقراطياً في علاقاته الداخلية . يفرضه حتى لا يفشل . بعد ان فرضه ليكون قومياً ( فقرة 52 ) . وتفرض النظرية صحتها من حيث هي تقدم لنا منطلقات وغايات وأساليب متسقة . هذا بدون احتجاج بان الذين سينفذون الخطة الاستراتيجية ويضحون من اجلها ويتحملون مخاطر الخطأ فيها هم قواعد الحزب وبالتالي فغن من حقهم ان يشاركوا في وضع الخطة التي سينفذون ويضحون من اجلها ويتحملون مخاطر ما قد يكون فيها من اخطاء . ولكن – في كل الظروف – لا يكتمل الاسلوب للحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي ، ولا لأي حزب ، إلا بان يصل بين واقعه وغايته بخطة استراتيجية . وبدون خطة استراتيجية يضعها الحزب ديموقراطياً لن يستطيع ان يحقق غايته إذ سيظل عاجزاً عن ادخال عنصر الزمان في حركته والسيطرة عليه واستخدامه . ولهذا نتيجتان ملزمتان لكل الجادين في رغبتهم ان تقوم في الوطن العربي دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية .

الأولى : ان يعفوا أنفسهم ويعفوا الشعب العربي من عناء التصورات الاستراتيجية للنضال من اجل الوحدة الديموقراطية الاشتراكية قبل ان يقوم الحزب القومي الديموقاطي الاشتراكي او خارج دائرة الحوار الديموقراطي داخله . ان كثيرين من الشباب العربي يحملون انفسهم مجهودات فردية لوضع استراتيجيات للمستقبل العربي . ولو كان الأمر مقصوراً على مجرد التصور لما كان ضاراً لأنه – على الأقل – مران ذهني على فهم مشكلات الاستراتيجية . إلا ان الاستراتيجية تتضمن مواقف محددة من الواقع العربي وقواه وحركته والتصور الفردي لاستراتيجية تحقيق دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية ، السابق على قيام الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي ، لا يلبث أن يتحول الى مواقف محددة من الواقع وقواه وحركته . تصبح لكل واحد استراتيجية خاصة بناها على أساس نظريته الخاصة وحدد بها لنفسه مواقف خاصة من غيره . ولما كان بمفرده عاجزاً حتى عن تنفيذ ” استراتيجية ” في الواقع الاجتماعي فإنه ينفذها بما هو قادر عليه : الكلام . ومع تعدد الافراد وتعدد الاستراتيجيات الفردية وتصدي كل واحد لمسؤولية تحقيق دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية بمفرده طبقاً لاستراتيجيته ينقلب ” النضال ” الى معارك كلامية . ولسنا نشك لحظة في ان السبب الاساسي للخلافات التي تمزق الشباب العربي الذين لاشك في اخلاصهم لهدف دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية ، هو أن كل منهم يحدد موقفه من الآخر طبقاً ” لاستراتيجية ” خاصة يتصورها . وعندما نعرف ان وضع الخطة الاستراتيجية لتحقيق دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية هو جزء من نظرية كاملة ومتكاملة في الاسلوب تحتم ان يكون الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي هو واضع الخطة والمسؤول عن وضعها نؤجل كل خلاف بين تصوراتنا لاستراتيجيته الى ان نطرحها داخلها ونتحاور فيها ديموقراطياً . نريد ان نقول ان عدم الالتقاء لسبب الخلاف في المنطلقات او في الغايات مفهوم وهو يحول دون الالتقاء في حزب واحد فلا مبرر للخلاف حول الاستراتيجية فسيلتزم كل واحد استراتيجية حزبه . وعندما نكون متفقين في المنطلقات والغايات والاسلوب بما فيه ضرورة التقائنا في حزب له استراتيجية فإن الخلاف حول ماهية الاستراتيجية يجب ان يؤجل الى ان نلتقي في الحزب فنحتكم فيه ديموقراطياً أما إذا كان الواقع العربي يضغط على اعصابنا ، ويثير فينا تصورات للمستقبل واستراتيجية مواجهته – وهو امر انساني – فعلينا ان نفلت بانفسنا من هذا الضغط وتلك التصورات بان نبادر الى الالتقاء في تنظيم يحوّل تصوراتنا الى خطة استراتيجية أو نعرف فيه خطة استراتيجية افضل من تصوراتنا ، لأنها اوثق في تحقيق غاياتنا المشتركة .

النتيجة الثانية مترتبة على الأولى ومؤكدة لها . وهي ان نستعد لما لا بد منه ، وهو انه في ظل العمل الجماعي المنظم ، في داخل الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي ، سنقبل ونلتزم استراتيجية الحزب التي شاركنا في وضعها ديموقراطياً حتى لو كان منا من يعتقد انها خاطئة ، ما دام النظام الديموقراطي داخل الحزب سيسمح بان يواصل الحوار الفكري لإقناع رفاقه بما يرى . عندما نلتقي في حزب سيطرح كل واحد تصوراته في داخله مهما تكن تلك التصورات . وسيدي من الآراء ما شاء ويدافع عنها كما يريد ، ولكنه سيتركها جميعاً داخله ليخرج ملتزماً بتنفيذ رأي الحزب الذي تحدد ديموقراطياً . ولهذا نحذر من ان يحدد كل قومي تقدمي موقفه من استراتيجية النضال من اجل دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية ، تحديداً نهائياً ، قبل الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي أو خارجه على وجه يعزله عنه لأنه يبدو كما لو كان يفرض رأياً مقدماً ولا يقبل الالتزام الديموقراطي فيشكك في صدق وعيه القومي وفي مقدرته على العمل الجماعي المنظم ، وهما شرطان اوليان ليقبل غيره ان يلتقي معه فكرياً او حركياً .

باختصار علىالذين من مواقفهم يتصورون استراتيجية خاصة لتحقيق دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية الا يأخذوا من اختلافهم سبباً لتمزقهم ، ولا يفرضوا استراتيجياتهم شروطاً للانتماء الى الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي ، لأن الحزب وحده هو صاحب الحق في وضع استراتيجية والمسؤول وحده عن وضعها وإلزام كل فرد فيه تنفيذها وردعه إن حاد عنها .

التزاماً بهذا فالمفروض ان نتوقف عن الحديث عند هذا الحد حتى لا نسبق الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي فنصادر حقه وهو ما لا حق لنا فيه ، أو ان نتحمل عنه مسؤوليته ولسنا مسئولين عنها ، ولنكون دائماً على استعداد للالتقاء فيه مع كل الذين نشترك معهم في المنطلقات وفي الغايات وفي الاسلوب . أي الذين نلتقي معهم على النظرية . لهذا سنتقصر فيما تبقى من حديث على بيان خصائص الاستراتيجية كما تحتمها المنطلقات والغايات استكمالاً لنظرية الاسلوب . وهي خصائص بسيطة .

أولاها : أن تكون استراتيجية قومية . تتحدد – من ناحية – طبقاً لمصلحة الأمة العربية ككل في مواجهة الدول الاجنبية . نشارك في الصراع الدولي ونحالف ونعادي ، ولكن طبقاً لمصلحة امتنا . ان الحياد الايجابي ، او عدم الانحياز ، بالمفهوم الذي يعبر عنه شعاره ” نعادي من يعادينا ونسالم من يسالمنا ” ، هو تعبير عن الموقف القومي في العلاقات الدولية . وتكون – من ناحية أخرى – شاملة الوطن العربي كله . لا يجوز للحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي على ان يوجه ومهما تكن العقبات ان يستثني من نشاطه اي شبر من الوطن العربي او ان يحجب عضويته عن اي فرد عربي يستأهل عضويته ، وبالتالي فإن استراتيجيته يجب ان تكون شاملة كل الوطن العربي بدون استثناء ، سواء كانت ثمة قوى متاحة لتنفيذها ام لم تكن . يجب ان تكون جاهزة للتنفيذ بمجرد وجود القوى في المواقع التي لم يمتد اليها نشاطه الفعلي . ان هذا يعبر عن حقه القومي ومسئوليته القومية معاً ، ورفضه ان يتحول بإرادته ، او ان تحوله اية قوة الى حزب اقليمي ، وسيكون اقليمياً ويفقد هويته القومية لو قبل بإرادته او خضع لأي قوة فاستثنى من حقه ومسئوليته شبراً واحداً من الوطن العربي ، بصرف النظر عما اذا كان قادراً مرحلياً ام غير قادر على الممارسة الفعلية لحقه او الوفاء الفعلي بمسئوليته .

الثانية : أن تكون استراتيجية هجومية . ان استراتيجية الدفاع هي خطة المحافظة على الواقع . ودولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية ليست واقعاً في الوطن العربي  . من هنا فان استراتيجية تحقيقها لا بد لها من ان تكون هجومية . لا هدنة ولا سلام بين الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي وبين القوى التي تقف عقبة في سبيل غايته . حتى لو كفت هي عن الحركة المعادية فلا بد من مهاجمتها حتى تصفى . حتى لو انهزمت فتراجعت لابد من مطاردتها الى ان تصفى . حتى لو توقفنا نحن فلنعيد حشد قوانا ثم نبدأ الهجوم . حتى لو انهزمنا فتراجعنا نعيد تنظيم قوانا لنعود الى الهجوم . لا ينبغي ابداً ان يكون نضال الحزب القومي الديموقراطي الاشتراكي رد فعل للقوى المعادية لغايته . ان هجمت يدافع وان توقفت يتوقف وان هادنت يهادن . وان ساومت يساوم . ابداً . إذ ان مهمته أن يصفي نهائياً – بالوسائل المناسبة – دولة اسرائيل والاستعمار الامبريالي والتبعية والرجعية والديكتاتورية والاقليمية ليقيم دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية فلا بد من أن تكون استراتيجيته مهاجمة كل هذه القوى حيث تكون وعدم التوقف عن النضال ضدها الى ان تصفى نهائياً . الوسائل هي ادوات المعارك التكتيكية . ولكن الهجوم موقف استراتيجي . ويبدو هذا اكثر وضوحاً لو ضربنا له مثلاً معركتنا ضد الصهيونية . ان الغاية الاستراتيجية هي استرداد أرض فلسطين لدولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية . والمرحلة الأولى منها استرداد ارض فلسطين من قبضة الصهيونية المغتصبة بإزالة دولتها : اسرائيل . ولا يمكن حصر الوسائل التي تؤدي الى إزالة دولة اسرائيل . إنها وسائل كثيرة تتعاون معاً على تحقيق غايتها طبقاً للقوى المتاحة لنا والقوى المتاحة للعدو . ولكن الموقف القومي من مشكلة فلسطين يحتم ان نهاجم اسرائيل دائماً بكل وسيلة وبدون توقف لا من خارج الأرض المغتصبة فقط ولكن من داخلها . إذ ان الدولة – كما عرفنا – نظام قانوني فهو كما يتحطم من الخارج يتحطم من الداخل . وتنبهنا نظريتنا القومية تنبيهاً خاصاً ومركزاً الى اهمية استمرار مهاجمتها من الداخل . فقد قلنا من قبل : ” ان الصهيونية تحاول منذ 1948 ان تصنع امة من اشتاتها القبلية بان تستحوذ على ارض خاصة بها . ولا بد لكي تنجح من ان تستقر على الأرض وتختص بها … ولو سمح الشعب العربي للصهاينة الاستقرار على الأرض حتى تكون خاصة بهم وبنوا عليها حضارة خاصة فإنهم سيصبحون امة شاء الشعب العربي ام لم يشأ … ويوم يصبح للصهاينة أمة في فلسطين لن يستطيع احد أن ينتزعها منهم مرة أخرى . لعل هذا ان يكون واضحاً فإنه يحدد لنا إلتزامات عينية داخل الأرض المغتصبة وخارجها حتى قبل ان تزول دولة اسرائيل ” ( فقرة 42 ) . هكذا قلنا وها نحن نعود لمواجهة هذه الالتزامات العينية . ان دولة اسرائيل هي نظام قانوني ينظم محاولة الصهيونية الاختصاص بأرض فلسطين المغتصبة وان يوفر لهذا الاختصاص الاستقرار لفترة زمانية كافية ليتحول الصهاينة إلى امة . ان الشعب العربي المقيم على ارضه في دولة اسرائيل هو القوة الأولى في الوطن العربي التي تحول فعلاً دون ان يختص الصهاينة بأرض فلسطين . وهو قادر على ان يكمل دوره التاريخي في الإلغاء الموضوعي لدولة اسرائيل بأن يحيلها من نظام قانوني إلى حبر على ورق ، وذلك بان يحطم القانون . أي قانون من اول القوانين التي تحرم العنف الى آخر قوانين الاقامة والمرور . ان كل من يحطم قاعدة قانونية في الأرض المحتلة يجرد دولة اسرائيل ولو من جزء بسيط من مقدرتها على البقاء . ولو تحول العرب فيها الى مثل ابطال غزة الشجعان لانهارت دولة اسرائيل من الداخل . ان هذا الدور البطولي ينتظر كل قادر من الشباب العربي . هناك في الأرض المحتلة يمكن تحويل دولة اسرائيل الى خرافة واقناع الصهاينة بكل وسيلة مناسبة بأن مشروع دولتهم مشروع فاشل . ولكن الأرض المحتلة ليست هي الساحة الوحيدة لتحطيم دولة اسرائيل . ففي كل مكان وفي كل مجال تنشط فيه اسرائيل كدولة يمكن ان توجه اليها الضربات لتتحول الى دولة فاشلة . المهم هنا هو مهاجمة دولة اسرائيل في كل مجال وفي أي مكان داخلها أو خارجها ، في الوطن العربي او في أطراف الأرض جميعاً ، وبأية وسيلة من الكلمة الى المدفع بدون توقف . ” بدون توقف ” هذا هو العنصر الاستراتيجي الحاسم في النهاية . على الشعب العربي ان يحرم الصهاينة مهما تكن الظروف من امرين : أولهما الاعتراف ثانيهما الأمن . انالدول العربية قادرة على ان تحرم الصهاينة من الاعتراف . ولكن الدول العربية قد لا تستطيع أن تحرم الصهاينة من الأمن . والأمن اكثر لزوماً لبقاء دولة اسرائيل من الاعتراف . وهنا يبرز دور القوة الجماهيرية المتحررة من قيود الدولة القادرة على ان تحرم اسرائيل من الأمن من ناحية وقادرة – إذا لزم الأمر – ان تردع اية دولة عربية تعترف بإسرائيل . إن هذه القوة الجماهيرية المقاتلة التي عرفت بعد هزيمة يونيو ( حزيران ) سنة 1967 باسم المقاومة هي الوسيلة الأولى المناسبة لإلغاء وجود دولة اسرائيل في فلسطين . وهي قادرة تماماً على ان تؤدي دورها داخل الأرض المحتلة وخارجها بما يتوافر لها من حرية في اختيار مواقع ضرباتها ووسائل توجيه تلك الضربات بشرط أن يتوافر لها أمران : الأول المقدرة على الاستمرار . الثاني الحماية ضد الدول العربية التي ترى في نشاط المقاومة ما يمس وجودها كدولة : شعب وأرض وسيادة فتحتج باستقلالها او بالتزاماتها الدولية لطعن المقاومة من الخلف او تصفيتها . لو توافر الأمران للقوة الجماهيرية المقاتلة ( المقاومة ) لبدأ الصهاينة انفسهم في التخطيط لتصفية دولتهم ، لأنهم سيكونون حينئذ على يقين من المصير الذي ينتظر تلك الدولة . والدول العربية جميعاً لا تستطيع بحكم طبيعتها الاقليمية وفيما لو تركت وشأنها أن توفر للمقاومة هذين الأمرين . وأكثر منها عجزاً المشردون في الوطن العربي من ابناء فلسطين . إنما يتوافر الأمران ويتحدد بهما المصير النهائي لدولة اسرائيل عندما تكون المقاومة هي القوة الضاربة لحزب قومي يستمد مقدرته من مقدرة الجماهير العربية على الاستمرار في النضال من اجل استرداد الأرض المحتلة ومقدرتها على ردع أية حكومة عربية ويعفي المقاومة من ان تعتمد على الدول العربية فيجنبها مخاطر الغدر ويؤمن وجودها ويوفر لها العمق الاستراتيجي اللازم للنصر في المعركة .

وما فلسطين إلا مثلاً لتاكيد ما تحتمه نظريتنا من ان تكون استراتيجية الحزب القومي التقدمي الاشتراكي استراتيجية هجومية . وهو ما يعني انها تضيف الى خصائص الحزب القومي ما يجعله صالحاً لتنفيذ استراتيجيته وهو ان يكون ذا قوة ضاربة هجومية لمواجهة متطلبات النصر في الواقع العربي .

الثالثة : ان تكون استراتيجية مرنة . ان استراتيجية تبدأ من واقع مجزأ غير مستوى النمو الاقتصادي ، بعضه مغتصب وبعضه محتل وبعضه تابع وبعضه متحرر وبعضه رأسمالي وبعضه يتحول اشتراكياً ، والقوى المعادية موزعة عليه لها في كل موقع قوة ، وكل قوة ذات غايات تكتيكية مختلفة وتستعمل وسائل مختلفة ، لابد لها – لكي لاتجمد قواها – من أن تحتفظ للقوى في كل موقع بأكبر قدر من المرونة في اختيار الخطط التكتيكية المناسبة لخوض معاركها في مواقعها واختيار اساليب الصراع ضد عدوها لتنفيذ الغاية الاستراتيجية المحدد لها .

الرابعة : ان تكون استراتيجية ثورية . وهذه تحتاج الى ايضاح

أضف تعليق